
وسط ضجيج السياسة وصخب القرارات المرتجلة، برز اسم عبد الصمد قيوح، وزير النقل واللوجستيك، كرجل دولة يتكلم بلهجة المواطن ويقرر بمنطق الميدان.
الرجل السوسي القادم من عمق وسط المملكة بأولاد تايمة لم يكن مجرد اسم عابر في الحكومة، بل تحول بسرعة إلى رقم صعب في معادلة التدبير، لا سيما بعد قراره المفاجئ بتجميد العمل بمذكرة الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا” الخاصة بمراقبة سرعة الدراجات النارية.
قرار قيوح لم يكن عاديا، بل حمل رسائل سياسية واجتماعية عميقة. ففي الوقت الذي كانت فيه “نارسا” قد أطلقت حملة واسعة بمعدات متطورة لمراقبة السرعة، تدخل الوزير في اللحظة الحاسمة بالتشاور مع رئاسة الحكومة وطلب إرجاء التنفيذ ومنح مهلة انتقالية لمدة 12 شهرا، مبررا ذلك بضرورة مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، خاصة أن فئة عريضة من المغاربة تعتمد على الدراجات النارية كوسيلة أساسية للعمل والتنقل.
لكن التدخل لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أصر الوزير على إعادة تقييم المقاربة برمتها، مشددا على ضرورة التشاور مع المهنيين والمجتمع المدني قبل إقرار أي إجراء صارم.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن قيوح لم يكتف بتوقيف الحملة، بل طالب بإعداد مذكرة جديدة تراعي الواقع وتستند إلى أرقام ومعطيات دقيقة، لا إلى مقاربات إدارية تقنية محضة.
وقد أثار هذا الموقف إعجاب عدد من الفاعلين والمتابعين، الذين رأوا فيه علامة على نضج سياسي وشجاعة نادرة في مواجهة آلة تكنولوجية قد تسحق المواطن باسم “التنظيم”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها صوت الوزير بنبرة مختلفة. ففي خرجة إعلامية مثيرة داخل قبة البرلمان، وصف قيوح ظاهرة “الخطافة” – أي النقل غير المهيكل – بـ”العتاقة”، داعيا إلى النظر فيها بعين أخرى، لا ترى فقط الخلل القانوني، بل تلتقط أيضا البعد الاجتماعي والحاجة إلى هيكلة قطاع النقل عموما بشكل عادل ومتوازن.
تصريحات الوزير السوسي اعتبرت لحظة فارقة، لأنها لم تصدر عن برلماني معارض أو فاعل مدني، بل عن عضو في الحكومة، ما يعكس توجها جديدا داخل وزارة النقل قوامه الإصغاء، والواقعية، وتجاوز الحلول الجاهزة.
ورغم حملات التشويه التي حاولت النيل من سمعته، ظل عبد الصمد قيوح محافظا على هدوئه المعهود، متمسكا بخطه السياسي والاجتماعي، في مشهد قلّما نراه في المشهد الوزاري.
فهو لا يبالغ في الخرجات الإعلامية، ولا يلهث وراء الأضواء، لكنه في المقابل يعرف متى يتحدث، ومتى يضغط على زر التوقيف.
وفي وقت يتحدث فيه الجميع عن الحاجة إلى “وزراء ميدانيين”، يبدو أن قيوح قد كسب هذا اللقب بامتياز، مستفيدا من خلفيته السياسية والاجتماعية العريقة في جهة سوس، ومعتمدا على شبكة تواصل متينة مع الشارع والمهنيين على حد سواء.
أكادير تيفي/ محمد ايت بلعيد