التامري.. مملكة الموز «البلدي» بشمال أكادير

أكادير تيفي

أكادير تيفي _ الحسين ابوالقاسم

وسط جبال شامخة من الشرق والشمال والجنوب والبحر يحدها من جهة الغرب تقع جماعة التامري التي تبعد عن مدينة أكادير شمالا بحوالي 54 كيلومترا تقريبا، أغلب سكان هذه الجماعة يشتغلون في مجال الصيد البحري والفلاحة، اللذان يؤمنان لهم قوتهم اليومي. الموقع انتقل إلى المنطقة وبالضبط مركز جماعة التامري وعلى طول واد أيت أمر حيث توجد العديد من الضيعات الفلاحية الخاصة بالدرجة الأولى لزراعة فاكهة الموز إضافة إلى مزروعات أخرى موسمية وبعض الخضر

 

التامري مملكة الموز البلدي

لعل أول ما يمكن أن تلمحه عيناك وأنت تصل إلى التامري هي مجموعة من المحلات الخاصة ببيع فاكهة الموز وبعض الأروقة إن صح التعبير، عشرات منها منتشرة وتطل على جانبي الطريق المؤدية إلى مدينة الصويرة، تعرض فاكهة الموز المحلية أو ما يدعونه هناك « بالبلدي»، وفي هذه اللحظة التي تطأ قدميك المكان تعرف أنك في مملكة الموز «البلدي».

هذا النوع الذي تتميز به المنطقة والذي أصبحت معروفة به، بل لا يذكر إسم التامري إلا وتتبادر إلى دهن السامع فاكهة الموز الطبيعية الخالية من أي أدوية أو مبيدات، فالمعروف عن هذا النوع من الموز أنه يعتبر من أجود أنواع الموز وأفضله في المغرب وتفوق جودته جودة باقي الأنواع ومنها المستوردة، أهالي المنطقة معروفون مند القدم بتعاطيهم لزراعة ثمرة الموز على طول واد التامري من سد مولاي عبدالله حتى المصب أو ما يسمى بالمنطقة بإمي وسيف، لكن المؤسف أن الموز البلدي غير معروف كثيرا بالوسط العلمي والتجاري، وهذا الصنف من الموز معرض للاندثار رغم أن أهالي المنطقة ما زلوا يهتمون به كثيرا أمام غياب دور الجهات المعنية وخاصة وزارة الفلاحة، ويعتبر الموز البلدي من الأصناف المجهولة التي لم تخضع كثيرا لدراسة علمية رغم أن قيمته الغذائية عالية نظرا لاحتوائه على عناصر مهمة يحتاجها جسم الإنسان.

نبتة الموز البلدي من شتلة إلى شجرة حاملة

بومور الحسن وهو فلاح صاحب ضيعة فلاحية بالمنطقة يأتي إلى ضيعته صباحا باكرا ليباشر سقي أشجار الموز وتنقيتها من بعض الأوراق الميتة، يستمر عمله وسط عشرات من أشجار فاكهة الموز حتى منتصف النهار حيث يعود إلى منزله لتناول وجبة الغداء قبل العودة إلى العمل من جديد، في بعض الأوقات، لا يقتصر عمله على الاعتناء بأشجار الموز بل يقوم بزراعة بعض القطاني والمزروعات الأخرى الموسمية، يقول محمد أن نبتة الموز البلدي تمر بمراحل أثناء زراعتها، حيث تبدأ بشتلة ثم جدلة إلى أن تصبح نبتة مثمرة ويتراوح ارتفاعها ما بين مترين إلى ثلاثة أمتار تقريبا، بعد زرعها وبعد مدة سنة تتحمل بثمارها التي تنضج بعد ستة أشهر تقريبا، تحمل شجرة الموز البلدي أكثر من عنقود أو ما يسمى أيضا بالقنو، ويسميه الأهالي هنا «بتلايت»، ويحتوي كل قنو على 13 حلقة تقريبا وكل حلقة مكونة من 8 إلى 18 حبة في حدودها ويكون نهاية القنو ما يسمى بالقلب وهو شبيه بالقلب تقريبا تنقشر عنه طبقات من اللحاء بشكل يومي حتى يصغر ويتلاشى، ويعتبر ذلك علامة النضج عند الفلاحين لقطفه أو جنيه من النبتة قبل عرضه بسوق الجملة.

سوق للجملة والسوق السوداء

يبدأ الفلاحون مع اقتراب نهاية الأسبوع عملية جني فاكهة الموز من أشجارها قبل نقلها إلى سوق الجملة ابتداء من يوم السبت لعرضها بعد فجر الأحد. في هذا السوق يجتمع العشرات من الفلاحين الذين يصل عددهم إلى أكثر من 100 عارض يعرضون ما مجموعه 6 أطنان من الموز الذي يباع إلى تجار الجملة وتتراوح أثمنة البيع في غالب الأحيان داخل السوق مابين درهمان ونصف إلى 5 دراهم، لكن المشكل الذي يعاني منه العديد في هذا السوق هو وجود سوق سوداء، فالعديد من الفلاحين لا يصلون السوق بل يبعون خارج أسواره وهو ما يضر بقيمة هذا المنتوج ويضر أيضا بمصلحة الجماعة المحلية التي تستفيد مبلغ 10 داهم مؤداة من كل فلاح.

محمد المتوكل حارس السوق والمكلف باستخلاص واجبات السوق من الفلاحين، يقتصر عمله على يوم السبت وصبيحة يوم الأحد، استفسرناه عن قضية السوق السوداء الذي تعمل الجماعة المحلية بتعاون مع السلطات المحلية ومصالح الدرك الملكي إلى التحذير منه في كل مرة بتطبيق العقوبات على من تبث تعامله خارج سوق الجملة، يقول محمد أنه عندما يحس الفلاحون بنوع من المراقبة يأتون بكثرة إلى سوق الجملة ويصل عدد العارضين حينها إلى ما يقارب 200 فلاح أو أكثر، حيث تصل كمية منتوج الموز المعروض آنذاك إلى ما يقارب 15 طن أو أكثر في كل أسبوع أي بزيادة تقدر تقريبا بحوالي 50 بالمائة، هذه الكمية يتم شرائها من طرف التجار الذين يعرضون على مدار الأسبوع بمركز التامري، كما أن كمية مهمة توجه نحو التصدير لمناطق أخرى خارج سوس

في هذا السوق يعاني الفلاحون من مشاكل عديدة من بينها الثمن المنخفض لبيع المنتوج والذي لا يتناسب حسب رأيهم مع جودة المنتوج المقدم، إضافة إلى مشكل السوق الذي يصعب التحرك فيه مع كل تساقط للمطر بسبب الأوحال وبقايا أوراق أشجار الموز الذي يستعملها العارضون، ورغم أن هذا الفضاء التجاري يلعب دورا مهما في الحركة الاقتصادية بالمنطقة إلا أن الجماعة المحلية التي تشرف عليه لم تقم لحد الساعة بإصلاحات داخله حتى تجرى عمليات البيع والشراء في أحسن الظروف خاصة وأنه يعتبر بوابة تصدير منتوج الموز إلى مناطق ومدن أخرى خارج أكادير

إقبال كبير على الموز البلدي

تعرف فاكهة الموز البلدي بالتامري إقبالا كبير من زوار المنطقة والمسافرين من وإلى مدينتي الصويرة وأكادير خاصة في فترات العطل والأعياد، ورغم ذلك فإن ثمن الموز البلدي لا يتجاوز 8 دراهم للكيلوغرام الواحد في شهور الصيف و7 دراهم في باقي شهور السنة، فهو مقارنة بباقي الأنواع الأخرى ثمنه منخفض رغم أنه يختلف عنها ويتميز من حيث الشكل والطعم والرائحة، فالموز البلدي أو العنثري كما يلقب في بعض البلدان معروف بصغر حجمه وممثلي الحبة وله رائحة زكية بخلاف المستورد، كلها مميزات تجعله يتفوق من حيث الجودة على أنواع الموز المستوردة مما يجعل الزائر والمار من مركز تامري لا يفلت فرصة تدوقه واقتناء بعض الكيلوغرامات منه حتى يعرف أن قد مر من مملكة الموز «البلدي».

11426501_854375227975893_768912185747090771_n

مشاكل تنتظر الحلول لتطوير قطاع إنتاج الموز

يشتغل في قطاع الفلاحة في منطقة التامري عدد مهم من الأفراد، فهو يعتبر القطاع الثاني بعد الصيد البحري الذي يستقطب اليد العاملة في المنطقة، وتعتبر ضيعات الموز الأكثر انتشارا مند القدم نظرا لتواجدها على طول نهر أيت أمر نظرا لتوفر المياه خاصة بعد تشيد سد مولاي عبدالله الذي استفادت منه الفرشة المائية والنهر الذي لا يجف على مدار السنة أضف إلى ذلك جودة التربة، ويعتمد الفلاحون هنا على الجهود الذاتية فقط ولا يستفيدون من أي مساعدة من الدولة من أجل تطوير إنتاج الموز البلدي وزيادة المساحات المزروعة حتى يتمكن الفلاحون من تصديره إلى باقي مناطق المغرب وتستفيد المنطقة اقتصاديا.

عبدالرحيم مناصر من الجمعية الفلاحية للتامري يرى أن المشكل الأول الذي يعاني منه الفلاحون المتخصصون في زراعة نبتة الموز هم السماسرة الذي يستغلون غياب الوعي لدى أغلب المنتجين، حيث أن هؤلاء السماسرة هم من يساهمون في خلق سوق سوداء بالمنطقة، وهو ما يؤدي إلى تضرر المنتجين والجماعة المحلية، كما أن غياب  دور هذه الأخيرة في تنظيم القطاع وإصلاح السوق يساهم من استمرار معانات الفلاحين، وعن دور الجمعية الفلاحية في القطاع قال أن دورها هو توعية الفلاحين حتي يعرفوا مصلحتهم والوقوف بجانبهم حتى يتم تتمين المنتوج وتطوير طريقة البيع بتأسيس تعاونيات بالمنطقة يستفيد منها الفلاح بالدرجة الأولى.

 

 

 

 

تعليقات الزوّار (0)