عند قراءة التقرير النهائي الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط حول الإحصاء العام للسكان في المغرب، تبرز العديد من القضايا التي تستوجب التحليل العميق والتساؤل الجاد.
هذا الإحصاء، الذي أجري تحت إشراف أحمد الحليمي، القيادي اليساري الاتحادي والخبير في الجغرافيا الاقتصادية، أثار جدلا واسعا بسبب منهجيته ونتائجه.
فقد واجه الحليمي خلال الحملة الوطنية للإحصاء لعام 2024 اتهامات من الحركة الأمازيغية بعدم الشفافية وغياب النهج الديمقراطي، وهي اتهامات زادت من تعميق الفجوة التاريخية بين الحكومة المركزية وايمازيغن.
لاحقا، جاء خلفه شكيب بنموسى، الذي يحمل خلفية تقنية كمهندس تخرج من فرنسا، والذي شغل مناصب وازنة كوزير للداخلية وسفير لدى فرنسا، قبل أن يتقلد حقيبة التربية الوطنية والرياضة.
ومع ذلك، فإن الانتقال من الحليمي إلى بنموسى لا يبدو أنه حمل جديدا يذكر في معالجة القضية الأمازيغية.لطالما واجهت الأمازيغية سياسات ممنهجة تهدف إلى تهميشها وإقصائها.
وهذا ما تعكسه الأرقام الرسمية التي تشير إلى تراجع نسبة الناطقين بالأمازيغية من 27% في عام 2014 إلى 25% فقط في 2024.
ورغم أن التراجع يبدو طفيفا بنسبة 2%، فإنه يكشف عن استمرار الضغط على الأمازيغية، ورغبة ضمنية في إعداد الأجيال القادمة لتقبل فكرة أن هذه اللغة تواجه مصير التلاشي تحت وطأة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
ما يغفله السيد بنموسى، وربما يتجاهله عمدا، هو أن الحكومات المتعاقبة، والتي كان جزءا منها، تتحمل المسؤولية الأكبر عن هذا التراجع. فكل عام تصدر الدولة أرقاما وإحصائيات تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع المعيش.
السؤال هنا: كيف لمن كانوا جزءا من سياسات التهميش بالأمس أن يصبحوا اليوم المدافعين عنها بالأرقام؟ السيد بنموسى، بينما كان البعض يناضل بشجاعة للحفاظ على الهوية الأمازيغية، كنتم أنتم وآخرون تدافعون عن مشاريع العروبة من صالونات باريس ومكاتبها الفخمة.نضال الأمازيغية لم يبدأ مع الأرقام والإحصاء، بل بدأ بالتضحيات.
ومن بين هذه التضحيات، اعتقال المؤرخ علي صدقي أزايكو بسبب مقال “في سبيل مفهوم حقيقي لهويتنا الوطنية”، تناول الأمازيغية بشجاعة علمية.
واليوم، رغم الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، فإن الأموال التي تجنى باسمها غالبا ما تستغل لأغراض لا تخدمها، بل تعود بالنفع على خصوم الأمس.السيد بنموسى، إذا كان 25% فقط من المغاربة يتحدثون الأمازيغية اليوم، فهذا نتيجة مباشرة لإهمالكم وإهمال زملائكم الذين لم يقوموا بواجبهم رغم الموارد الهائلة التي كانت تحت تصرفكم.
ومع ذلك، تمكن النشطاء الأمازيغ، بموارد محدودة، من الحفاظ على هذا الإرث الإنساني الذي يتجاوز حدود المغرب.
الأمازيغية ليست مجرد لغة أو ارقام تذكر في الإحصاء، بل هي جزء أصيل من هوية تامازغا، ورغم كل العقبات، سيظل الأمازيغ أوفياء لنضالهم ومستمرين فيه دون كلل.
أما تقريركم الأخير، فقد احتوى على أرقام أخرى مثيرة للتساؤل، أبرزها معدل البطالة المرتفع الذي يعكس أزمة أعمق في بنية الاقتصاد والمجتمع المغربي.
نأمل أن تجد الحكومة الحالية، والتي كنتم جزءا منها، حلولا حقيقية لمعالجة هذه التحديات التي تهدد التنمية في البلاد.
ذ.رشيد بوقسيم /اعلامي وناشط أمازيغي