الرئيسية مواقف وأراء حجية التقييد في ضوء المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية

حجية التقييد في ضوء المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية

كتبه كتب في 24 أبريل 2016 - 19:46

أكادير تيفي_

تعتبر مدونة الحقوق العينية من التشريعات الحديثة التي لها أثر كبير في حل النزاعات العقارية، لكون ما جاء في هذه المدونة سواء على مستوى الأحكام العامة من حيث تطبيقها على الملكية العقارية، أو تلك المنصبة على الحقوق العينية الأصلية والتبعية والتحملات العقارية، أو من تصنيف للعقود كالشفعة والقسمة والصدقة والهبة والعمرى والحبس والرهن والحيازة واستعمال العقار واستغلاله والتصرف فيه بصفة عامة، سيساهم وبدون شك في تحديد المرجعية العامة للعقار، كما أنه سيضيف لبنة جديدة في التشريع المغربي، حيث سيجد المحافظ والقاضي والعدل والموثق والمحامي والباحث في العقار هدفه ومبتغاه في هذه المدونة التي ستساهم في تشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية. ومن أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية هي حجية الرسوم العقارية والتقييدات التي تتضمنها، وإذا تم الحسم في نهائية قرار الرسم العقاري وحجيته المطلقة وتطهيره للعقار، فإن حجية التقييد بالرسم العقاري ترتبط بشروط حددتها بالخصوص المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية، وللإحاطة بموضوع حجية التقييدات الواردة على الرسم العقاري فسنتناوله وفق نقطتين، سنخصص الأولى لإجراءات التقييد بالرسم العقاري وذلك لمعرفة ماهية التقييد ومسطرته، وسنترك النقطة الثانية لمدى حجية التقييد بالرسم العقاري.

أولا: إجراءات التقييد بالرسم العقاري

يتم تتويج مسطرة التحفيظ بتأسيس الرسم العقاري الذي يعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية على العقار، بحيث أنه يصبح مطهرا من كل حق لم تتم المطالبة به أثناء سريان مسطرة التحفيظ.

وبعد تأسيس الرسم العقاري، فإن أي تصرف يتعلق بالعقار المحفظ، يجب تقييده بالرسم العقاري وفق مسطرة خاصة نظمها المشرع المغربي بدقة، يترتب على عدم احترامها رفض التقييد، وقد حدد المشرع الحقوق الخاضعة للتقييد بمقتضى الفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري في جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه وكذا جميع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه.

وتستثنى مجموعة من الحقوق من التقييد بالرسم العقاري، و منها:

  • الامتيازات الواقعة على العقارات، وتتمثل في المصاريف القضائية المنفقة لبيع العقار وتوزيع الثمن وحقوق الخزينة، وذلك بمقتضى المادة 143 من مدونة الحقوق العينية.
  • حقوق الدولة على المياه العامة كمجاري الأنهار والبحيرات والينابيع، وذلك بمقتضى القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء.

وبالرغم من أن المشرع المغربي أقر بإجبارية التقييد، إلا أنه لم ينص على الأجل القانوني الذي يتقادم فيه الحق إن لم يتم تقييده، ما سمح باختلاف الرأي بين الفقهاء القانونيين، فمنهم من يذهب إلى تطبيق الفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أن كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بمرور خمس عشرة سنة، ولذلك فالحق في التقييد يتقادم بمرور خمس عشرة سنة على العقد المنشئ لهذا الحق.

وهناك رأي آخر يرى أن حق المشتري مثلا في طلب التقييد لا يتقادم لكون البائع ملزم اتجاهه بالضمان استنادا إلى الفصل 380 من قانون الالتزامات والعقود، والذي يقضي بأن التقادم لا يسري بالنسبة لدعوى الضمان إلا من وقت حصول الاستحقاق أو تحقق الفعل الموجب للضمان.

ورغم كل الخلافات التي حاول قانون التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07 حلها والحسم فيها، إلا أنه لم يشر إلى موضوع التقادم في التقييد بالرسوم العقارية واكتفى بمقتضى الفصل 65 مكرر بتحديد أجل إنجاز التقييد في ثلاثة أشهر يبتدئ سريانه بالنسبة للعقود الرسمية من تاريخ تحريرها، أما العقود العرفية فيبتدئ سريانه من تاريخ آخر تصحيح للإمضاء عليها، أما القرارات القضائية فمن تاريخ حيازتها لقوة الشيء المقضي به، ليبقى جزاء عدم احترام هذا الأجل هو أداء غرامة تصاعدية تتمثل في خمسة في المائة من مبلغ الرسوم المستحقة وذلك عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل و0,5 بالمائة عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له.

ويتم تقديم طلب التقييد إلى المحافظة العقارية في شكل كتابي أو تصريح إلى أحد أطر المحافظة العقارية، ويتضمن مجموعة من البيانات وذلك بمقتضى الفصل 69 من قانون التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07 تتعلق أساسا بالعقار الذي يعنيه التقييد، وذلك ببيان رقم الرسم العقاري ونوع الحق المطلوب تقييده وأصل التملك وكذا نوع وتاريخ العقد الذي يثبته والحالة المدنية للمستفيد من التقييد المطلوب إنجازه، ويرفق بالطلب كل حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به أو كل عقد أو وثيقة أدلى بها تدعيما لهذا الطلب.

ثانيا: مدى حجية التقييد بالرسم العقاري

لا تنتج الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو تغييره أو إسقاطه أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد، وبالتالي يتبين لنا بأن من أهم آثار التقييد هو الأثر الإنشائي لجميع الحقوق التي يمكن الاحتجاج بها بالرسم العقاري.

ويضمن التقييد لصاحب الحق الثبات والاستقرار ويحفظ حقوقه المقيدة ويضمنها ويكون حجة على صحتها بين الأطراف بشرط أن يكون التصرف صحيحا، ولهذا فإن ضمان الحق العيني فيما بين الأطراف عن طريق تقييده بالرسم العقاري يستوجب أن يتم هذا التقييد بطريقة قانونية، ويتبين لنا بأن للتقييد بين الأطراف بالرسوم العقارية حجة نسبية، وذلك بمقتضى الفصل 67 من قانون التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07.

أما بالنسبة لحجية التقييد في مواجهة الغير، فالحق لا يعتبر موجودا إلا بتقييده بالرسم العقاري، فإذا اكتسب شخص ما حقا على عقار محفظ ولم يقيده بالرسم العقاري، فإنه لا يمكنه الاحتجاج بهذا الحق أمام الغير، كما أنه لا يمكن للغير الاحتجاج بذلك الحق اتجاه المالك، لأن ذلك الحق يعتبر غير موجود من الناحية القانونية.

فالمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية نصت على مايلي: “إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها.

إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه”.

وبالتالي فيمكننا التأكيد على ثلاث معطيات أساسية بهذه المادة:

  • أن الرسوم العقارية وكذا تلك الإيداعات المودعة بها قبل التحفيظ طبقا للفصل 83 أو الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري تتمتع بمناعة مطلقة ولها حجة في مواجهة الغير.
  • أن الغير سيء النية لم يرد بالمادة الثانية المذكورة أعلاه لكون القانون لا يحمي الغير سيء النية وإن كان مقيدا، فيعامل بنقيض قصده، إذ يحرم من كل حق آل إليه، ولا يمكنه التذرع بحجة التقييد، وهو يعلم بوجود العيب الذي يشوب العقد، أو أن الحق المقيد بالرسم العقاري قيد بدون وجه حق .
  • أن الغير حسن النية الذي يجهل العيوب أو الشوائب التي تعيب أو تشوب سندا أو رسما ممن كان قد تلقى الحق منه يوم تلقي هذا الحق وتقييده في اسمه بالرسم العقاري يكتسي التقييد بالنسبة له قوة ثبوتية مطلقة، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر من هذا التقييد بسبب تدليس أو زور أو استعماله وشرط أن يرفع الدعوى داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو التغيير أو التشطيب عليه.

يتبين مما سبق أن عملية إشهار الحقوق تخضع لمسطرة تقييد ولمجموعة من الإجراءات، ويناط فيها للمحافظ دور كبير من خلال مراقبة كل طلب إجراء تقييد من الناحية الشكلية وكذا الموضوعية والتأكد من توفر كافة البيانات المتعلقة بالرسم العقاري وبالأطراف، وإذا كان الرسم العقاري نهائي وله حجية مطلقة، فإن للتقييد حجية نسبية ولو كان المقيد حسن النية، بحيث أن تقييده لا يكون نهائي ولن تكون له حجية مطلقة إلا بمرور أربع سنوات من تاريخ التقييد.

للتعمق أكثر انظر:

  • ادريس الفاخوري: “نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات قانون 1407″، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، مطبعة2013، دار نشر المعرفة.
  • محمد خيري: “قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، طبعة 2010، مطبعة المعارف الجديدة – الدار البيضاء.
  • قراءة في النظام العقاري الجديد، مجلة علمية، العدد الثالث، يوليوز 2012.
  • الندوة الوطنية في موضوع “الأمن العقاري”، دفاتر محكمة النقض عدد 26، طبعة 2015، مطبعة الأمنية الرباط.

بقلم : فاطمة الزهراء أزواغ

مشاركة
تعليقات الزوار ( 160 )

اترك رداً على فاطمة الزهراء إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *